بقلم: محمد فهد الشوابكه
يعد القطاع الزراعي من أهم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في الأردن، حيث يسهم في توفير الغذاء وتشغيل الأيدي العاملة، كما يشكل مصدرًا رئيسيًا للدخل للعديد من العائلات في المناطق الريفية. ومع ذلك، يواجه هذا القطاع تحديات متزايدة نتيجة لانحسار الأمطار، الذي أصبح ظاهرة مقلقة في السنوات الأخيرة. إذ يعتمد الأردن، كواحدة من أكثر الدول جفافًا في العالم، بشكل كبير على الموارد المائية المحدودة لتلبية احتياجاته الزراعية، مما يجعل أي تراجع في كميات الأمطار يؤثر بشكل مباشر على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي.
تشير البيانات المناخية إلى أن معدلات الأمطار في الأردن شهدت انخفاضًا ملموسًا على مدار العقود الماضية. حيث كان متوسط الهطول السنوي للأمطار يتراوح بين 50 إلى 400 ملم في مختلف المناطق، لكن هذه المعدلات تراجعت بشكل كبير، خاصة في السنوات الأخيرة. يؤدي انحسار الأمطار إلى تقليص كميات المياه المتاحة للري، مما يجبر المزارعين على تقليص المساحات المزروعة أو التوجه إلى زراعة محاصيل أقل استهلاكًا للمياه ولكنها قد تكون أقل ربحية. وبالتالي، فإن هذا الانخفاض في الأمطار يفرض تحديات كبيرة على قطاع زراعي يعتمد في معظمه على الري التكميلي.
بالإضافة إلى ذلك، يترتب على نقص الأمطار انخفاض تغذية المياه الجوفية، التي يعتمد عليها الأردن بشكل كبير لتعويض نقص مياه الأمطار. تشير الدراسات إلى أن معدل السحب من المياه الجوفية في الأردن يفوق معدل التغذية الطبيعية، مما يؤدي إلى استنزاف هذا المورد الحيوي وزيادة الضغوط على استدامة الموارد المائية.
وعلاوة على ذلك، يتسبب انحسار الأمطار في تدهور خصوبة التربة نتيجة للجفاف وفقدان الغطاء النباتي، وهو ما يؤثر سلبًا على الإنتاجية الزراعية. وتزداد المشكلة تعقيدًا مع التغيرات المناخية التي تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدلات تبخر المياه، مما يزيد من الحاجة إلى موارد مائية إضافية للري.
على الصعيد الاقتصادي، يؤدي تراجع الإنتاج الزراعي إلى ارتفاع تكاليف الغذاء واعتماد الأردن بشكل أكبر على استيراد المنتجات الزراعية من الخارج. تشير التقديرات إلى أن الأردن يستورد أكثر من 80% من احتياجاته الغذائية الأساسية، مما يزيد من العجز التجاري ويضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد الوطني. كما يؤثر هذا الواقع على المزارعين بشكل مباشر، حيث يواجهون خسائر مالية نتيجة لانخفاض المحاصيل الزراعية، مما يدفع بعضهم إلى ترك الزراعة والبحث عن فرص عمل في قطاعات أخرى، وهو ما يهدد استدامة القطاع الزراعي على المدى الطويل.
ولمواجهة هذه التحديات، تسعى الحكومة الأردنية إلى تطبيق استراتيجيات تهدف إلى التكيف مع التغيرات المناخية وترشيد استخدام المياه في الزراعة. وتشمل هذه الاستراتيجيات التوسع في استخدام تقنيات الري الحديث مثل الري بالتنقيط، وتشجيع زراعة المحاصيل المقاومة للجفاف، بالإضافة إلى تعزيز الوعي لدى المزارعين حول أهمية إدارة الموارد المائية بشكل مستدام. وقد أشارت تقارير وزارة المياه والري إلى أن هذه التدابير يمكن أن تسهم في تحسين كفاءة استخدام المياه بنسبة تصل إلى 30%، مما يخفف من تأثير نقص الأمطار.
ختامًا، يمثل انحسار الأمطار تحديًا كبيرًا يهدد استدامة القطاع الزراعي في الأردن، وهو ما يتطلب جهودًا مشتركة من الحكومة والقطاع الخاص والمزارعين لمواجهة هذه المشكلة. من خلال الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية الحديثة وتعزيز السياسات البيئية، يمكن التخفيف من تأثير هذه الظاهرة وضمان استمرارية الإنتاج الزراعي والحفاظ على الأمن الغذائي للأجيال القادمة.