الوقود الأحفوري وبدائله

admin
مقالات
admin22 يناير 2012آخر تحديث : منذ 12 سنة
الوقود الأحفوري وبدائله
غازي سفاريني - مجلة مال واعمال

بقلم: د. غازي سفاريني

لا يخفى على أحد أن أول مصادر الطاقة التي استخدمها الإنسان الأول كان الطعام الذي تناوله. وما لبث أن عرف النار واستخدمها لأغراض الإنارة والتدفئة والطهي وحماية نفسه من الوحوش الضارية، واستخدم الأخشاب وقودا لها. ثم سخر الحيوانات المختلفة كوسائط للنقل وحراثة الأرض. وعلى الرغم من أننا لا نعرف بالضبط متى تم ذلك إلا أن الآثار الدالة على ذلك تعج بها نقوش الحضارات المختلفة كالفرعونية والسومرية. ومع تطور الحضارة الإنسانية استخدم البشر طاقة الرياح والماء في تسيير السفن وطحن الغلال. ومع اكتشاف الآلة البخارية وآلة الاحتراق الداخلي بدأت الآلات تحل محل الحيوانات وبدأ استخدام الإنسان للوقود الأحفوري. ويقصد بالوقود الأحفوري جميع مصادر الطاقة التي تمثل بقايا كائنات عاشت في الماضي السحيق كالنفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري.

ومما يؤسف له أنه قد واكب هذا التطور الحضاري الهائل انعكاسات سلبية على بيئتنا بلغت أشدها مع نهاية القرن العشرين. فما هي انواع الوقود الأحفوري المختلفة من ناحية تكونها وكيفية استخراجها واستخداماتها المختلفة والأضرار البيئية الناجمة عن ذلك وكيفية معالجتها.

1 –  الفحم الحجري Coal

شهد بدء الثورة الصناعية طلبا كبيرا على الفحم الحجري واستمر الحال كذلك إلى أن اكتشفت آلة الاحتراق الداخلي عام 1860 من قبل  الفونس دي روكاس Alphonse De Rochas. عندها بدأ الطلب على الفحم الحجري في التراجع وازداد في المقابل الطلب على الوقود السائل (الشكل 1). وفي أوج استخدامه كانت مداولة الفحم الحجري تتسم بالصعوبة وعدم النظافة. لذلك لم يكن استخدامه في المنازل أمرا محببا خصوصا عندما أصبح الوقود السائل في متناول اليد. أما وقد بدأت احتياطيات الوقود السائل في النضوب فإن هنالك احتمالا قويا في العودة إلى استخدام الفحم الحجري  من جديد كمصدر من مصادر الطاقة .

يمثل الفحم الحجري بقايا نباتات متحجرة تم حفظها بين طبقات الصخور الرسوبية بفعل الدفن، وتحولها نتيجة العمليات الجيولوجية إلى وقود صلب مضغوط غني بالكربون.

وتقدر احتياطيات العالم من الفحم الحجري بمقدار عشرة آلاف بليون طن معظمها موجود في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا وجنوب إفريقيا والصين. ومن سلبيات استخدام الفحم الحجري كونه وقودا صلبا يصعب استخدامه في وسائط النقل الحديثة كالطائرات والسيارات والسفن. كما أنه مادة قذرة وغير ملائمة للاستخدام المنزلي. على أنه بالإمكان تحويل الفحم الحجري إلى غاز أو سائل عن طريق مفاعلته ببخار الماء Liquefaction of Coal. ومن الدول الرائدة في هذا المجال كل من ألمانيا وجنوب إفريقيا. إلا أن الوقود السائل المنتج من الفحم غير منافس للنفط التقليدي من حيث الأسعار وكمية الطاقة الناتجة عن حرقه.

ويخلق استخدام الفحم الحجري مشكلات بيئية متعددة نذكر منها: مشكلة الإحرار العالمي ، ومشكلة الأمطار الحامضية، ومشكلات الرماد والتعدين والأخطار المرافقة لها. ناهيك عن إزالة الغطاء النباتي وإثارة الغبار. كل ذلك يتطلب إجراءات معينة لمعالجته. كما أن حرق الفحم الحجري يؤدي إلى إطلاق بعض العناصر المشعة مثل الثوريوم.

2 –  النفط والغاز الطبيعي Petroleum and Natural Gas

يتشكل النفط من مجموعة كبيرة من المواد الهيدروكربونية السائلة والممزوجة مع بعضها بعضاً بنسب متفاوتة . أما الغاز الطبيعي فيتكون من مواد هيدروكربونية غازيه ممزوجة هي الأخرى ببعضها بعضاً . وتعتبر العوالق البحرية ، وهي نباتات وحيدة الخلية تعيش على طول الأرصفة القارية، والبكتيريا أيضا المصادر الرئيسة للمواد العضوية التي تتحول لاحقا إلى نفط وغاز طبيعي.

ويتوقف تحول المادة العضوية إلى نفط وغاز على معدل زيادة درجة الحرارة مع العمق. يتكون النفط ما بين درجة حرارة 60-120 تقريبا والغاز الطبيعي ما بين 120-150 وأعماق ما بين 1000 و 6000 متر. ويهاجر النفط المتكون من صخور المصدر إلى صخور أكثر نفاذية تسمى الصخور الخازنة إذا ما توفرت الظروف الملائمة لذلك. وتمتاز الخزانات الصخرية بوجود طبقات صخـرية غير منفذة فوقها وإلا استمرت هجرة النفط والغاز إلى أعلى إلى أن تصل إلى السطح. والتجمعات الاقتصادية من النفط هي تلك التي نجدها في المصائد النفطية الموزعة عشوائيا.  من هنا نجد أن التموضعات النفطية غير موزعة بالتساوي بين الدول. وأحسن مثال على ذلك منطقة الشرق الأوسط (الشكل 2) حيث تتركز التوضعات النفطية على طول الحافة التصادمية  للصفيحة العربية بينما يندر وجودها على حوافها الأخرى.  ولا يعرف لغاية الآن مقدار الزمن اللازم لتكون النفط. لكننا نستطيع أن نستنتج أن عملية تكونه بطيئة جدا إذ لم يتم اكتشافه في صخور أحدث عمرا من مليوني عام. لذلك يعتبر النفط مصدرا من المصادر غير القابلة للتجدد لذا لا بد من  استدامته وترشيد استهلاكه.

الأخطار البيئية والهموم الاستراتيجية الناجمة عن استخدام النفط

ينجم عن استمرار استخدام النفط كمصدر رئيس من مصادر الطاقة الهموم البيئية والاستراتيجية التالية:

نفث الغازات الملوثة للغلاف الجوي من مثل أكاسيد الكربون والنتروجين والقطيرات الهيدروكربونية المكونة للضبخن وما ينجم عن ذلك من أمطار حامضية ومفاقمة لظاهرة الإحرار العالمي.

احتمال حدوث الانسكابات النفطية التي يمكن أن تكون مدمرة للبيئة البحرية.

احتمال الإضرار بعمليات النمو الاقتصادي حال حدوث ارتفاع مفاجئ في الأسعار ناهيك عن احتمال نشوب حروب مدمرة بهدف تأمين تدفق النفط للأسواق العالمية.

نضوب التوضعات النفطية في المستقبل القريب وفشل التقنيات الحديثة لغاية الآن في إيجاد البديل الملائم.

استدامة النفط Oil Sustainability

تشير الإحصائيات المتعلقة باحتياط النفط وإنتاجه واستهلاكه إلى أن معدلات الاستهلاك آخذه في الارتفاع بينما قلت نسبة الاكتشافات الحديثة في رفع احتياطاته المؤكدة. هذا وتبلغ احتياطاته المؤكدة ما يزيد على ترليون برميل تمتلك معظمها الدول المصدرة للنفط (OPEC) والتي تشمل فنزويلا وإيران والعراق والكويت وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والجزائر وليبيا ونيجيريا وإندونيسيا (الشكل 3).

بناء على ما تقدم تبدو الحاجة ملحة لاستدامة النفط لأطول فترة ممكنة ريثما يتم تطوير تقنيات  بديلة تعتمد مصادر طاقة أخرى غير قابلة للنضوب.

3 – الرمل القاري والصخر الزيتي  Tar Sand and Oil Shale

تحتوي بعض الرمال على مواد هيدروكربونية صلبة تشبه الإسفلت تسمى البتيومينBitumen. والرمال الحاوية على هذه المادة تدعى الرمل القاري Tar Sand. من أمثلة ذلك الرمال الموجودة على الشاطئ الشرقي للبحر الميت وفي منطقة أثاباسكا Athabasca في كندا.  وفي أيامنا الحالية يعدن الرمل القاري بنفس الكيفية التي يعدن فيها الفحم الحجري. والنفط المستخرج منه يسهم بما قيمته %16 من إنتاج كندا الكلي. وتتضمن عملية معالجة القار المستخرج من الرمل تسخينه بالبخار المضغوط بهدف تطريته وتحويله إلى مادة زيتية القوام. ثم تجمع المادة الزيتية وتعالج بهدف تخليصها من الكبريت. والناتج يعالج بالهيدروجين لتحويله إلى سائل يسهل تقطيره.

أما الصخر الزيتي فهو غضار مشبع بمادة عضوية شمعية القوام تسمى الكيروجين Kerogen. تكونت هذه المادة تحت درجات حرارة وضغط منخفضين وغير كافيين لتحويلها إلى هيدروكربونات سائلة. ومما يجدر ذكره أن الصخر الزيتي يعدن هو الآخر بنفس الكيفية التي يعدن فيها الفحم الحجري. وتتلخص مخاطر إنتاج النفط من كل من الرمل القاري والصخر الزيتي في إزالة التربة والغطاء النباتي وإثارة الأتربة والغبار وتلويث الغلاف الجوي. ناهيك عن أن المياه المستعملة في عمليات التعدين والمعالجة يمكن أن تتلوث بالعناصر الثقيلة السامة التي تحتويها المواد العضوية في كل من الرمل والغضار. وهذا بدوره يؤدي إلى تلويث المياه السطحية والجوفية في مناطق التعدين ما لم تتخذ الإجراءات المناسبة للحد من ذلك.

وفي الاردن توجد كميات كبيرة من الصخر الزيتي يمكن استغلالها تجاريا في شماله ووسطه وغربه كما في (الشكل 4) وتقدر هذه الكميات بما يقارب 40 مليار طن . وتضع هذه الكمية الاردن كثاني إغنى دولة بعد كندا. وفي أيامنا  الحالية لا بد وان يزيد تركيز المادة العضوية عن 8% في الصخر الزيتي كي يتسنى تعدينه وتحقيق فائدة اقتصادية. ومن العوامل الهامة التي تزيد من جودة الصخر الزيتي الاردني قلة احتوائه على الرطوبة وقلة ما ينتجه من الرماد.

ومن الجدير بالذكر ان أكبر وجود لخام الصخر الزيتي في الاردن يقع في وسطه في منطقة عطارات أم الغدران، إذ يبلغ احتياطي الخام في هذه المنطقة حوالي 25 مليار طن. وقد منحت شركة شل والشركة الاستونية  مساحات كبيرة للتنقيب عن النفط.

وستعمل الشركة الاستونية بالتزامن مع مشروع استخلاص النفط من الصخر الزيتي على توليد الطاقة الكهربائية من الغاز الناجم عن عملية استخلاص الصخر الزيتي. وفي عام 2006 بدأت المفاوضات بين الحكومة الاردنية  وشركة شل العالمية واستمرت زمنا طويلا للوصول لاتفاقية تجارية وامتياز يمنح الشركة إذنا باستغلال الصخر الزيتي بتكنولوجيا الضغط العميق. وقد توجت هذه المفاوضات بتوقيع اتفاقية امتياز في العام 2009.

ويفيد مسؤلو  سلطة المصادر الطبيعية أن شركة شل بدأت وفق الاتفاقية وبتاريخ 16 آب من العام 2009 بالتجهيز والتحضير لذلك . ومما تجدر الإشارة إليه أن الاتفاقية منحت شركة شل فترة تمتد إلى ثلاث سنوات للقيام بعمليات التنقيب في مناطق الامتياز البالغة  مساحتها 22 ألف كيلو متر وفق تقنية تعتمد على تعدين خامات الصخر الزيتي في باطن الأرض وعلى اعماق كبيرة ليصار في النهاية  إلى تحديد المناطق الواعدة في المراحل النهائية للمشروع وبناء عليه يتم تحديد منطقة الامتياز للشركة بحوالي 1000 كيلو متر مربع. ومن المتوقع ان يستقطب هذا المشروع استثمارات مباشرة تتراوح ما بين 20 – 25 مليار دولار.

وفي العدد القادم سنتحدث بإذن الله عن بدائل الوقود الاحفوري محاولين المفاضلة بينها.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.