تشهد الروبية الهندية اضطرابات حادة تُربك حسابات صُنّاع السياسة النقدية في الهند، مع استمرار تراجع قيمتها أمام الدولار الأمريكي، ما يضع البنك المركزي الهندي تحت ضغط كبير لاتخاذ قرارات حاسمة في ظل اقتصاد يعاني من تباطؤ النمو.
الروبية في أدنى مستوياتها
سجلت الروبية انخفاضاً بنسبة 0.7% مقابل الدولار خلال يوم واحد، في أسوأ أداء لها منذ عامين. هذا التراجع جاء في وقت يعاني فيه الاقتصاد الهندي من ضعف في النمو، الذي بلغ 5.4% في الربع الأخير، وهو أدنى مستوى له خلال عامين تقريباً، مدفوعاً بتراجع الإنفاق الحكومي، ضعف الاستهلاك، وانخفاض أرباح الشركات.
معضلة السياسة النقدية
كان من المتوقع أن يخفض محافظ البنك المركزي الجديد، سانجاي مالهوترا، سعر الفائدة الرئيسي البالغ 6.5% لدعم النمو. لكن انهيار الروبية قلب الطاولة، حيث يهدد هذا الانخفاض بارتفاع أسعار الواردات، وبالتالي زيادة معدلات التضخم، ما يجعل خفض الفائدة خياراً محفوفاً بالمخاطر.
تضخم مستمر واعتماد على النفط
تُعد الهند واحدة من أكثر الدول اعتماداً على واردات النفط، حيث تستورد 90% من احتياجاتها، ما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية. وقد زادت العقوبات الأمريكية الأخيرة على روسيا من هذه المخاطر، بينما أدى الأداء القوي للاقتصاد الأمريكي إلى تعزيز الدولار، ما زاد من الضغوط على الروبية.
ورغم تراجع معدل التضخم إلى 5.2% في ديسمبر، إلا أنه لا يزال يشكل تحدياً كبيراً، حيث تجاوز السقف المستهدف للبنك المركزي في أكتوبر الماضي.
خيارات المحافظ الجديد
يواجه المحافظ الجديد معضلة مزدوجة: السيطرة على التضخم مع تحفيز النمو الاقتصادي. وقال مالهوترا إنه يتوقع أن يشهد الاقتصاد الهندي تعافياً تدريجياً في 2025، مشيراً إلى أن الأولوية ستكون لدفع عجلة النمو، في مواجهة الانتقادات التي وُجهت لسلفه بسبب السياسات النقدية المتشددة.
بين التدخل والسماح لقوى السوق
تدخل البنك المركزي الهندي مراراً لحماية الروبية، ما أدى إلى استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي بحوالي 70 مليار دولار منذ أن بلغت ذروتها عند 705 مليارات دولار في سبتمبر. ومع ذلك، بدأت تظهر تكهنات بأن البنك قد يتبنى نهجاً أكثر مرونة يسمح بتحديد قيمة العملة وفقاً لقوى السوق، ما قد يعزز تنافسية الصادرات الهندية.
بارقة أمل وسط الضبابية
رغم خفض توقعات النمو الاقتصادي للعام المقبل، يرى بعض الخبراء أن الاقتصاد الهندي يمتلك مقومات التعافي. وأشارت بونام غوبتا، المديرة العامة للمجلس الوطني للبحوث الاقتصادية في نيودلهي، إلى أن الهند تتمتع بمرونة هيكلية وأن التباطؤ الحالي يمكن تجاوزه من خلال سياسات مدروسة وتوقيت مناسب.
على الجانب الآخر، حذر ميغيل تشانكو، كبير اقتصاديي آسيا الناشئة، من أن التعافي قد يكون بطيئاً بسبب تشدد السياسات المالية والنقدية، وعبء الديون على الأسر، وتباطؤ الاستثمارات.
الإنفاق الحكومي كطوق نجاة
مع استئناف الإنفاق الرأسمالي الحكومي بعد فترة الانتخابات العامة، تأمل الهند في استعادة زخم النمو الاقتصادي. لكن نجاح هذه الخطط يتطلب توازناً دقيقاً بين دعم الروبية، السيطرة على التضخم، وتحفيز النمو، في وقت تواجه فيه البلاد ضغوطاً متزايدة من الأسواق العالمية.
أزمة الروبية تعكس معركة الهند الصعبة للحفاظ على موقعها كأسرع الاقتصادات الكبرى نمواً في العالم، مع التحديات الهيكلية التي قد تُبطئ مسيرتها إذا لم يتم التعامل معها بحنكة وفعالية.