مجلة مال واعمال – خاص
من رحم الاغتراب تندفع هالة من الإبداع الذي تقول صاحبته أنه نشأ بذرة صغيرة يوم كانت أجمل أحلامها أن تقتني أعداد مجلة ماجد أو قصص المكتبة الخضراء لتنمو بذرة أخرى مع الأيام والسنين وتختمر طويلا في شخصية الكاتبة والروائية الأردنية زينب السعود .وفي وقت قصير استطاعت المبدعة زينب السعود صاحبة اللغة الرشيقة والعبارة المدهشة أن توجد لها مكانا فسيحا في ساحة الأقلام الأردنية وأن تتبنى لونا أدبيا يقوم على فكرة التجريب الروائي الذي لا يغوص عميقا حد الضحالة في الانفلات من معايير الفنية والأسلوبية ، ولا يتحجر ويتجمد في بوتقة تحد من الإبداع وتحجم دوره وتأثيره .
هذه القدرة على الإمساك بعصا ثقيلة وغليظة من المنتصف مكنت زينب السعود من حفر اسم لها في قائمة المبدعين الأردنيين في مجال الكتابة والكتابة الروائية خلال زمن قصير .
وربما تكون الملكة اللغوية القوية التي تمتلكها هذه السيدة هو ما أوجد لها مقعدا هاما في صفوف أصحاب الأقلام وسدنة الفكر ، هو مقعد الكاتبة التي تمسك بتلابيب اللغة وتحولها نسيجا من الصورة المبتكرة والفكرة المكثفة.
أنهت زينب السعود دراستها للأدب العربي واللغة العربية من جامعة آل البيت في الأردن ، وهي دائمة الفخر أنها كانت من الجيل الذهبي الذي تخرج من تلك الجامعة في بدايات تأسيسها عندما كانت تعتمد البحث العلمي كجزء هام من متطلباتها الدراسية .
أنهت زينب السعود دراستها للأدب العربي واللغة العربية من جامعة آل البيت في الأردن ، وهي دائمة الفخر أنها كانت من الجيل الذهبي الذي تخرج من تلك الجامعة في بدايات تأسيسها عندما كانت تعتمد البحث العلمي كجزء هام من متطلباتها الدراسية .
إذن هو عالم الكتب والمراجع والمصادر التي كانت تغرق فيها زينب السعود لإنجاز أبحاثها الدراسية ، هو ما صقل الجانب المعرفي وجعلها بهذه الثقافة المبهرة التي تظهر جلية في كتاباتها ومناقشاتها ومقالاتها .
التحقت أديبتنا بالعمل لدى وزارة التربية في دولة الكويت عام 2005 ، وشكلت أنموذجا للمعلم الأردني الذي يحمل إتقانه وإخلاصه وتأثيره في طلبته أينما حلّ ، الأنموذج الذي اعتنت بتكوينه في علاقتها مع طلبتها أنموذج المعلم الذي يترك لمعانا في عيون تلاميذه ، ويحفر وعيا ونجاحا وشغفا في طلبته . وإذا كان هذا طموح زينب المربية والمعلمة فماذا عن طموحها كأديبة ومبدعة ؟ تقول مبدعتنا إن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المثقف ، مسؤولية تجاه مجتمعه تحتم عليه أن يكون له دور فاعل وإيجابي وفعال.
أصدرت زينب السعود روايتها الأولى بعنوان ( الحرب التي أحرقت تولستوي ) عن دار الان ناشرون وموزعون في الأردن ، وكانه إصرار المغترب على أن ينطلق إبداعه من وطنه . ومع حرصها الشديد على ولادة عملها الروائي الأول من رحم الوطن الحبيب إلا أن زينب السعود لا تنكر أن الكويت أيضا لها حق البر والوفاء ولها سهم كبير من محبتها فهي الكويت ( الخز الموشى بالذهب) كما تقول الأهزوجة الكويتية وترددها مبدعتنا ، وإذا كانت ولادة رواية (الحرب التي أحرقت تولستوي) من دار نشر أردنية إلا أن الرواية كتبت في الكويت وتمازجت كلماتها وسطورها برائحة البخور والبحر .
لقد استثمرت زينب السعود في عملها الروائي الأول ، وأنتجت نصا مدهشا يتناول حدثا حيا لم ينته بعد وهو الحرب الروسية الأوكرانية ، واختارت أن تجعل هذا الحدث غطاء لشخصياتها ( يوسف وجمانة ومعاذ ورشا) لتعكس المشترك الإنساني عبر سرد آسر وحكاية لمراسل صحفي وجد نفسه في أتون حرب لا ناقة له فيها ولا جمل. أما الرواية الثانية ( العبور على طائرة من ورق ) وهي العمل الأكثر جدلية ، والأكثر فنية وتجريبا ، حيث مارست مبدعتنا مهارة التجريب الفني في المضمون والأسلوب وأشركت قراءها في ذلك ، فأنتجت نصا يستحق القراءة ، يتوغل عميقا في خفايا النفس ويستخرج من أعماقها ما تراكم من مشاعرها وانفعالاتها عبر شخصيات ( هتاف وإلياس وأمجاد ).
وعلى طريق الإبداع تمضي بنا الروائية المستثمرة لطاقتها الثقافية واللغوية ، في نص جديد ورواية جديدة سترى النور قريبا بعنوان ( نطفة في قلب غسلن كنفاني) .تحاول فيها ان تبهر القارئ باستدعاء رمزية كبيرة وزجها في عملها الروائي بطريقة مدهشة وجاذبة ولكننا إلى الآن لا نعرف كمية الدهشة التي ستفاجئنا بها الروائية زينب السعود في روايتها الجديدة.
وعندما نقترب قليلا من زينب الإنسانة نجدها ذات روح مرحة ، ونكتة حاضرة ، ولهجة أردنية تمتزج ببعض كلمات من اللهجة الكويتية ، كأن اديبتنا تؤكد على ذلك الجانب في شخصيتها المنتمي إلى جانب انتمائه الكبير لوطنه الأم ، إلى البلد الذي احتضن سنوات شبابه وأول خطوة على سلم الإبداع ، الكويت ، وهذا هو وفاء ابنة الأردن النشمية الأصيلة لبلد عاشت فيه ، ولها فيه ذكريات ونجاحات.
وبعد هذا الاقتراب من شخصية الأديبة والمبدعة الأردنية زينب السعود ، هل ما زلنا سنتحدث عن الغربة بذات المقولات السلبية ؟ لقد غيرت أديبتنا من نظرتنا ، فهي التي حولت سنوات اغترابها إلى قصة نجاح وإبداع باهر ، واستثمرت ملكاتها وقدراتها لتعود إلى وطنها محملة بكنوزها الأدبية ، وثمار غربتها الحقيقية . وكان لابد لنا أن نوجه سؤالا ملحا إلى زينب السعود : هل كانت مسيرتك الأدبية ضمن ما خططت له في حياتك أم أنها جاءت وليدة الصدفة ؟
تبتسم زينب وتقول: الصدف لا تصنع نجاحا ، والحياة وما فيها تسير وفق القدر لا الصدفة . بالنسبة للكتابة كانت موهبة حاضرة لدي منذ أن أن كنت طالبة في المدرسة ، وقد كانت حصة التعبير أول ممارسة كتابية ظهرت فيها موهبتي . وتعترف زينب أن فكرة الكتابة كانت متقدمة على فكرة الكتابة الروائية ، فهي كانت مولعة بالكتابة البحثية لكنها وجدت في الرواية عالما متسعا وفسيحا لقول ما تريده ، عبر شخصياتها ، وكانت فكرة بناء حياة متخيلة للشخصيات تقنع القارئ بمنطقيتها وصدقها من الأفكار المسيطرة عليها ، ودفعها ذلك إلى السير في طريق الكتابة الروائية التي لا تنكر أنها شاقة ومرهقة ومستنزفة ، ولكنها بالتأكيد تنتج أدبا يستحق أن يُقرا.
- حصري لمال واعمال يمنع الاقتباس او اعادة النشر الا بإذن خطي