في ظل التحديات التي تواجه بعض النظم التعليمية، لا سيما ما يتعلق بنقص الكوادر التدريسية، برزت في بعض الدول من ضمنها الأردن مقترحات تدعو إلى تأنيث مدارس الذكور في المرحلة الأساسية، أي إسناد تدريس طلاب الصفوف الأولية إلى معلمات بدلاً من معلمين. ورغم أن هذه المبادرة قد تنطلق من أهداف تنظيمية أو اقتصادية، إلا أنها تطرح إشكاليات تربوية ونفسية عميقة تستحق التوقف عندها بعناية.
تشير الأبحاث التربوية والنفسية إلى وجود اختلافات واضحة بين الذكور والإناث في مراحل النمو الأولى، لا سيما في الصفوف الأساسية التي تُبنى فيها ركائز الشخصية والانضباط السلوكي. فالطفل الذكر في هذه المرحلة يُظهر أنماطًا سلوكية مختلفة تتطلب تفاعلاً خاصًا يتّسم بالحزم، والقدرة على التوجيه الذكوري المباشر، وهو ما يصعب تحقيقه في بيئة مؤنثة بالكامل، دون أن يكون في ذلك انتقاص من كفاءة المعلمات أو قدراتهن.
ففي السنوات التأسيسية، يبحث الطالب الذكر عن نماذج يُحتذى بها في سلوكه وفهمه لدوره الاجتماعي كرجل في المستقبل. ووجود معلمين ذكور في الصفوف الأساسية يوفّر له نموذجًا واقعيًا يتعلم من خلاله الانضباط، والقيادة، والتواصل الذكوري السوي. أما إحلال العنصر النسائي بالكامل، فقد يؤدي إلى خلل في إدراك الطفل للتماثل الهوياتي، وإضعاف دوره الذكوري في بيئته المبكرة.
وفي العديد من المجتمعات ذات الطابع المحافظ، تشكل العلاقة بين الطالب والمعلم بعدًا حساسًا يتطلب توازنًا دقيقًا بين التربية والتعليم. وقد تواجه المعلمات في المدارس الأساسية للبنين تحديات تتعلق بالحدود الاجتماعية، وضبط السلوك الذكوري في سن مبكرة، ما يجعل من وجود المعلم الذكر عنصرًا أساسيًا في ضمان التفاعل التربوي الآمن والفعّال.
وقد اشارت التجارب في بعض الدول التي طبّقت نماذج مؤنثة لتعليم الذكور إلى ارتفاع في معدلات السلوك غير المنضبط، وضعف التفاعل الذهني داخل الصفوف، نتيجة غياب الردع الذكوري الطبيعي الذي يتوافر بوجود معلمين من الجنس نفسه. وهو ما يؤكد على أهمية التوافق بين طبيعة الطالب والمعلم لتحقيق الانسجام داخل البيئة الصفية.
فبدلاً من التوسع في تأنيث مدارس الذكور في المرحلة الأساسية، يُمكن للمؤسسات التعليمية أن تتجه إلى تعزيز برامج إعداد وتأهيل المعلمين الذكور للعمل في الصفوف الأولية.وتقديم حوافز مادية ومعنوية تشجّع المعلمين على الانخراط في هذه المرحلة. بالاضافة الى تطوير بيئة عمل جاذبة ومحترفة للمعلمين الذكور.ومن الممكن ان نقوم بدعم التوأمة المؤقتة بين المعلمين والمعلمات في التدريب فقط، مع الإبقاء على تدريس الذكور من قبل الذكور.
يمكننا القول أنّ تأنيث مدارس الذكور في المرحلة الأساسية قد يُنظر إليه كحل مؤقت لأزمة الكوادر، لكنه لا يُعد حلاً تربويًا مستدامًا. فالفروق النفسية، والاحتياجات السلوكية، ومتطلبات النمو الهوياتي للأطفال الذكور، تقتضي وجود بيئة تعليمية يقودها معلمون من الجنس ذاته. فالحفاظ على هذا التوازن هو احترام لاحتياجات الطفل، حيث ان وجود المعلم الذكر ليس خيارًا تنظيميًا فحسب، بل هو ضرورة تربوية لضمان نشأة سوية ومتوازنة لأجيال المستقبل، تُنتج أجيالًا أكثر توازنًا وثقة بالنفس.