التجارة العالمية من امل في المستقبل الى فزاعة سياسية

تحليل اقتصادي
19 مايو 2016آخر تحديث : منذ 8 سنوات
التجارة العالمية من امل في المستقبل الى فزاعة سياسية

860x484 (2)

بعدما كانت في ما مضى رديف وعد بمستقبل مزدهر، تحولت التجارة العالمية الى فزاعة سياسية، حيث يندد بها دونالد ترامب باعتبارها “انتهاكا” للبلاد، ويهدد فرنسوا هولاند بمعارضة اتفاقية الشراكة عبر الاطلسي، وتراوح منظمة التجارة العالمية مكانها منذ سنوات، كما يتزايد العداء لها لدى الراي العام.

“يجدر بنا ان نفرح بنهاية حقبة معاهدات التبادل الحر التي لم تعد منذ زمن طويل سوى مصافحات تصب في مصلحة الشركات والمستثمرين (…) تاركة فسحة ضئيلة للعمال”.

ليس هذا مقطعا من عريضة لدعاة العولمة البديلة، بل مقال في “نيويورك تايمز” للصحافي جاريد بيرنستين المستشار الاقتصادي السابق لنائب الرئيس الاميركي جو بايدن.

ويتراجع التاييد الشعبي لهذه الاتفاقيات، وهو ما ظهر جليا من خلال التعبئة في اوروبا ضد اتفاقية الشراكة الاطلسية للتجارة والاستثمار، ذلك المشروع العابر للاطلسي لتوحيد المعايير التجارية بين اوروبا والولايات المتحدة.

ولا يثق حوالى 70 بالمئة من الفرنسيين في المفوضية الاوروبية بهذا الصدد، وفق استطلاع للراي اجري مؤخرا. وفي المانيا حيث تشكل حركة التصدير الكثيفة دعامة اساسية للاقتصاد، نزل عشرات الاف الاشخاص الى الشارع في نيسان/ابريل في هانوفر للتنديد بالاتفاقية.

ولا تثير التجارة العالمية الحماسة في الولايات المتحدة ايضا. واوضح المحلل الاميركي نيكولاس دانغن المستشار الخاص لدى “معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية” والباحث في معهد “اتلانتيك كاونسيل” في الولايات المتحدة، انه “بعد ثماني سنوات على ازمة 2008 وبعد اربعين عاما بقي فيها متوسط دخل العائلات الاميركية يراوح في مستواه، انهم يعبرون عن الغضب لحظة استيقاظهم”.

ويستغل القادة السياسيون هذه الريبة المتزايدة، ولا سيما مع اقتراب الانتخابات. وفي الولايات المتحدة، جعل الجمهوري دونالد ترامب من التصدي للتجارة احد المواضيع المحورية في حملته.

وقال مؤخرا “لا يمكننا ان نستمر في السماح للصين بانتهاك بلادنا”.

وتحت ضغط خصمها بيرني ساندرز الذي يتبنى خطا الى يسارها، نددت المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون بدورها باتفاقيات التبادل الحر التي “تبدو في غالب الاحيان رائعة على الورق” لكن نتائجها لا تكون دائما “بالمستوى” المطلوب.

وفي اوروبا، رفض الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الاتفاقية الاطلسية “في المرحلة الراهنة” من المفاوضات.

قال ديفيد دورن الاستاذ في جامعة زوريخ واحد واضعي دراسة بعنوان “المتلازمة الصينية” لوكالة فرانس برس”دخلنا مرحلة حيث باتت الاتفاقيات التجارية تثير جدلا متزايدا، لكن الوقت ما زال مبكرا لمعرفة ما اذا كنا وصلنا الى خاتمة التبادل الحر، لانه ما زال يجري التفاوض على معاهدات هامة”.

وبحسب هذه الدراسة، فان الصادرات الصينية مسؤولة بنسبة الربع عن انحسار الوظائف في قطاع التصنيع في الولايات المتحدة بين 1997 و2007، “وهذا كفيل باثارة المخاوف من ان يتسبب تكامل تجاري اكبر بفقدان وظائف جديدة”.

وقال دانغن “يعتقد الاميركيون انه اذا لم يعد +اجماع واشنطن+ (الذي وضع في الثمانينيات ويستند الى التنظيم الذاتي للاسواق) يأتي بثماره، فهذا يعني ان فكرة التبادل الحر تخطاها الزمن اليوم، وانه لا بد من اختبار امر آخر”.

وقال هنري لاند المحاضر في معهد العلوم السياسية في باريس لوكالة فرانس برس “بلغنا مرحلة حيث نعيد النظر في التبادل الحر المتفلت من اي قيود، بدون الأخذ بالبيئة”.

انها بنظره اتفاقيات متقادمة يجب ان تكون مجرد “ذكرى”، وان تحل محلها اتفاقيات تشجع اكثر منها “الاقتصاد الدائري والمجتمعي”.

وشدد لاند على انه “علينا ان نغير البرنامج على الصعيد العالمي” داعيا الى توجيه الاتفاقيات التجارية “نحو اقتصاد يقوم اكثر على المجتمعات المحلية وعلى التقدم الاجتماعي واخذ البيئة بالاعتبار. والا، فسنجد انفسنا في مرحلة معينة مضطرين للعودة الى الحمائية”.

والجماهير الغاضبة ليست وحدها من ينتقد وهم “القرية العالمية” التي تزيحها طرق تجارية في كل الاتجاهات.

فمنظمة التجارة العالمية التي كانت مهمتها تقضي بوضع اطار المبادرات للعالم باسره، باتت متعثرة، وهي عاجزة عن تحقيق نجاح، بل اكثر من ذلك، ترى نفوذها يتضاءل ازاء انتشار الاتفاقيات الثنائية والاقليمية.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.