تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة ترسيخ مكانتها العالمية كنموذج ريادي في تطوير برنامج نووي سلمي، قائم على أعلى معايير الأمان والشفافية، ويُعدُّ اليوم إحدى أبرز التجارب العالمية في تسخير الطاقة النووية لدعم استراتيجيات التحول نحو الحياد المناخي، وسط شراكات دولية متنامية تمتد من الشرق الآسيوي إلى الغرب الأميركي والأوروبي.
مقاربة إماراتية فريدة: شفافية وشراكات وتكنولوجيا
منذ انطلاقة البرنامج، تبنّت الإمارات نهجًا يرتكز على الانفتاح والتعاون الدولي متعدد الأطراف، ما أتاح لها تأسيس شراكات استراتيجية مع قوى محورية في قطاع الطاقة النووية، أبرزها كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة الأمريكية، والصين، فضلًا عن تعاون متزايد مع أوروبا ومؤسساتها التقنية والتنظيمية.
وأكد سعادة محمد الحمادي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة الإمارات للطاقة النووية، أن البرنامج السلمي الإماراتي يمثل نموذجًا عالميًا ناجحًا لكيفية إدماج الطاقة النووية ضمن منظومة وطنية متنوعة ومستدامة للطاقة، معتمدًا على رؤية قيادة واضحة، وبنية تشريعية وتنظيمية متقدمة، وشبكة علاقات دولية تسهّل تبادل الخبرات والتقنيات المتقدمة.
من “براكة” إلى “ستارغيت الإمارات”: الطاقة في خدمة المستقبل
تُعد محطات “براكة” للطاقة النووية حجر الزاوية في هذا المشروع الطموح، لكنها تمثل فقط البداية لمسار أوسع. إذ بات البرنامج النووي الإماراتي اليوم ركيزة استراتيجية لمبادرات وطنية في الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، كمشروع “ستارغيت الإمارات”، الذي يُراد له أن يجعل من أبوظبي مركزًا عالميًا لصناعة مستقبل التكنولوجيا، بدعم من مصادر طاقة نظيفة وموثوقة.
التزام إماراتي دولي بتحقيق الحياد المناخي
خلال مؤتمر الأطراف COP28، كانت الإمارات في طليعة الدول الداعية لمضاعفة إنتاج الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول 2050. هذا الالتزام تبنّته أكثر من 30 دولة، إضافة إلى نحو 120 شركة ومؤسسة مالية حول العالم، بما يعكس مصداقية الدور الإماراتي في صياغة مستقبل الطاقة العالمي.
خارطة الشراكات الدولية: كوريا، أمريكا، الصين، أوروبا
كوريا الجنوبية: شريك تأسيسي لمشروع “براكة”، واليوم تنتقل الشراكة إلى آفاق جديدة تشمل استثمارات في مشاريع مفاعلات معيارية صغيرة (SMRs)، إلى جانب اتفاقيات رقابية ومهنية تعزز التفتيش وتبادل الكفاءات.
الولايات المتحدة: اتفاقيات نوعية مع مؤسسات كـ”مختبر إيداهو الوطني” و”تيراباور” و”جنرال أتوميكس” و”جنرال إلكتريك فيرنوفا”، لتطوير مفاعلات الجيل القادم، واستكشاف إنتاج الهيدروجين والماء والبخار من المحطات النووية.
الصين: تعاون متقدم يشمل المفاعلات عالية الحرارة المبردة بالغاز، وصيانة المحطات، وسلاسل إمداد الوقود النووي، واستثمارات ثنائية في مشاريع الطاقة النووية بالدول النامية.
أوروبا: الإمارات دخلت مؤخرًا في شراكة مع الشركة الوطنية للطاقة النووية في رومانيا لبناء مفاعل SMR، ضمن مبادرة “الاستثمار في مستقبل الطاقة النظيفة”، باستثمار إماراتي تجاوز 275 مليون دولار.
دور تنظيمي محوري وعمق رقابي استباقي
تؤدي الهيئة الاتحادية للرقابة النووية دورًا استراتيجيًا في تنظيم وضبط البرنامج، من خلال اتفاقيات ثنائية مع نظرائها الدوليين، تشمل التفتيش المشترك، وتبادل المعلومات، والتعاون في السلامة النووية والأمن النووي ومنع الانتشار.
الامتداد الإقليمي: من الرياض إلى القاهرة
تتقدم الإمارات كذلك في صياغة تعاون إقليمي في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، حيث وقّعت اتفاقية مع السعودية عام 2019، وأخرى مع هيئة المحطات النووية المصرية خلال “COP28″، تشمل تبادل الخبرات وتطوير الجاهزية التشريعية والرقابية، بما يعكس رؤية مشتركة لدول المنطقة في جعل الطاقة النووية خيارًا استراتيجيًا آمنًا وفعّالًا.
خلاصة تحليلية:
البرنامج النووي السلمي الإماراتي ليس مشروع طاقة فقط، بل هو رؤية استراتيجية للدولة الحديثة؛ رؤية تجعل من التقنية، والحوكمة، والتعاون الدولي، أدوات لصياغة مستقبل أكثر استدامة وأمانًا للعالم.