لتتنحَّ الدبلوماسية جانبا

admin
مقالات
admin13 مارس 2012آخر تحديث : منذ 12 سنة
لتتنحَّ الدبلوماسية جانبا

آراء  - مجلة مال واعمالحتى يتنحى بشار الأسد، على الدبلوماسية العربية والدولية أن تتنحى أولا، ليس لأنها فشلت فشلا ذريعا في معالجة الأزمة السورية فحسب، بل لأنها وصلت إلى حد الإفلاس في خطابها الدبلوماسي. الخارجية الأميركية تقول إن بشار وقح ومجرم حرب ووحش، وساركوزي وصف ما حصل في حمص بـ«الفضيحة»، وكاميرون رئيس الوزراء البريطاني نعت النظام السوري بالمجرم، أما الرئيس الأميركي أوباما فلا تزال دعوته الرقيقة للأسد بالتنحي قائمة منذ عشرة أشهر، وانتهى قبل أيام بوصف بشار بالديكتاتور. هذه المفردات هي آخر مآل العمل الدبلوماسي، ودليل على فشل كل الجهود الدبلوماسية التي لم تتوقف منذ عام، ودليل آخر على أن حل الأزمة بعيد عما يحصل من اجتماعات سرية وعلنية ومبادرات معقولة وسخيفة، وأسماء نفضت الغبار عن نفسها وخرجت لتكون حمامة سلام إلى أسد.
لا أحد يستطيع اليوم أن يلوم الجامعة العربية على خيبة عملها وسوء إدارتها للملف السوري، لأن القوى الغربية الأكثر تأثيرا في صنع القرار الدولي فشلت هي الأخرى في إحراز أي تقدم، ولم تملك سوى رمي الشتائم على النظام في وسائل الإعلام، ظنا منها أن ذلك سيطهر يدها من آثامه.
الملف السوري منذ الفيتو الروسي – الصيني في الرابع من فبراير (شباط) الماضي تحول من أزمة بين الشعب ونظام الأسد إلى أزمة بين الروس ودول الخليج العربي، والقاهرة التي فشلت في إحداث أي تأثير بين طرفين ضعيفين؛ أي الشعب السوري الأعزل، والنظام الحاكم الآيل للسقوط، تتدخل بلا حيلة في محاولة للوصول إلى تسوية بين الخليجيين والروس، القوى المؤثرة اليوم على القرار الدولي.
لقد نجحت روسيا في ثلاثة أمور حتى الآن؛ إفشال مشروع أممي يدعو الأسد للتنحي، وإطالة أمد الأزمة لمنح الجيش النظامي المزيد من الوقت للقضاء على رموز المعارضة في الداخل، ونجحت أخيرا في جرح علاقتها بدول الخليج، وخاصة السعودية، مع التذكير بأن العلاقة السعودية – الروسية نمت نموا بطيئا ولكن حثيثا خلال العقدين الماضيين، ووصلت في السنتين الأخيرتين إلى أعلى نقطة في تاريخ البلدين، ومن المؤسف حقا أن تتراجع أو تتضرر هذه العلاقة التي كانت ذات بعد استراتيجي لكليهما مهما كانت القضية محل النزاع. العلاقة السعودية – الروسية ليست فقط لمصالح اقتصادية متبادلة، بل كانت تشكل للسعودية نقطة اتزان بين الشرق والغرب، وكان لروسيا أن تجهد لتعزيز هذه الصداقة الوليدة لتتقاسم ميزاتها التي كانت دائما ما تمنح للغرب، ولكن في القضية السورية من الواضح أن الروس دفعوا ثمنا باهظا مقابل بضاعة لا تستحق. العنصر المهم منذ بداية الأزمة السورية وحتى اليوم هو عنصر الوقت، الزمن الذي يمضي هباء بلا فائدة ولا فرصة للحل، كل ما منحه الوقت هو رفع منسوب الدماء والآلام والمآسي عند شعب أعزل. المسألة لا تحتاج لوسطاء، فالذين جلسوا على طاولة القاهرة (الخليجيون والروس) قبل أيام مختلفون في زاوية رؤيتهم للوضع السوري، وقد بدا أن الهدف من هذا التجمع ليس تكرار عرض وجهات النظر لأنها باتت معروفة ومفهومة، إنما إعادة تجميع المتخاصمين في محاولة لإنقاذ العلاقة الخليجية – الروسية من الانهيار.السوريون يأملون كثيرا في الموقف الخليجي، فهو الموقف الوحيد الداعم لهم حقا مع تردد الموقف الأوروبي وتراجع التركي، وغياب الدور الأميركي الذي ظهر كوصمة عار في تاريخ دولة الحريات وحقوق الإنسان، مع سعادة لا يخفيها الأميركيون بالاختلاف السعودي – الروسي. هذا العشم من الشعب السوري يدركه الخليجيون، الذين يرددون الدعوة إلى تسليح «الجيش السوري الحر» ويبدون استعدادهم لذلك.
إن التأخر في تسليح المعارضة في الداخل والمراهنة على الوقت لحل الأزمة سيزيد الوضع الداخلي السوري تعقيدا، ويؤخر الحسم وإسدال الستار، ولكن من أهم سلبيات التأخير التي تظهر أمام هذا الواقع هو تقطيع أوصال العلاقات بين الدول الصديقة. فإن كل ساعة تمر في وضع معلق تزيد الشرخ الحاصل بين الأصدقاء، قد ينتهون إلى قطيعة، ويعطي كل واحد منهم ظهره للآخر، وسيكون هذا الملف مثل الوشم، كلما حاولوا نسيان خصومتهم سيذكرهم بها.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.