زها حديد ..هاربة من الدمار الى الإعمار ..”ملكة النحت في الهواء”

2016-07-28T10:42:58+02:00
سيدات أعمال
28 يوليو 2016آخر تحديث : منذ 8 سنوات
زها حديد ..هاربة من الدمار الى الإعمار ..”ملكة النحت في الهواء”

3-zaha hadidزها حديد، أكثر ما يحزن في موتها أنها تمكنت من تشييد مساحات خيالية حول العالم، ونفذت أكثر من 950 مشروعاً في 44 دولة، قبل ان يتسنّى لها بناء طبقة واحدة في بلدها المدمّر ، أكثر ما يحزن في رحيل هذه المعمارية الاسطورية، كما باتت تُعرف، أنها أبهرت العالم بهندستها المتفلتة من قوانين الجاذبية، ولم تنل التقدير الذي يليق بها في أرضها.

تقرّ في آخر مقابلاتها مع جريدة “الشرق الاوسط” عقب نيلها الوسام الذهبي الملكي في فبراير 2016، إن أغلب الصعاب التي واجهتها كانت “إما بسبب كوني امرأة، وإما لكوني عربية وإما الاثنين معاً، يضاف اليهما الجهل والرفض”.

أكثر ما يحزن في موتها انها ليست من بين المعماريات اللواتي سيكررهن التاريخ قريباً. فرحيلها مدوٍّ، والمساحة الفارغة التي ستُخلّفها، ستكون شاسعة. إذ رغم سجلها الحافل بالمنجزات، كانت مخيلتها لا تزال متدفّقة، لا تنضبّ. فها هي قد استهلّت مشوارها في الأعوام الأخيرة في مجالات أخرى، كتصميم المجوهرات والأكسسوارات، فضلاً عن مشاريع تعاون عدة في مجال الموضة.

زها حديد التي أيقنت منذ سنّ مبكرة جداً (في الحادية عشرة من عمرها) انها ستتخصّص في الهندسة المعمارية، استشرفت المستقبل بتصاميم تحاكي الخيال. البُعد التجريدي الذي طبع أعمالها، هو ما حقق شهرتها، فحصد لها معجبين كما زرع لها مناوئين. ذلك ان محبي فنّها كثُر، تماماً كمنتقديها. إنما لا يهمّ، المهمّ انها نجحت في توسيع الآفاق وترجمة الاشكال التجريدية الى واقع ملموس. لتفرض نفسها، في نهاية المطاف، وسط ذاك العالم الذي يعدّ حكراً على الرجال.

رحيلها عن 65 عاماً، محزن أكثر لانها كانت لا تزال في عزّ عطاءاتها، في أوج ابتكاراتها أو في بداية طريقها. وكما ذكرت صحيفة “ذا نيويوركر” في مقال عنها ، أنها رحلت قبل ان تباشر العمل، ذلك ان “تقديم جديد في الهندسة يفرض تمضية أعوام طويلة من التمرس في العلم وجمع الخبرات، قبل الانطلاق في ورش العمل”، لذلك يأتي الحزن مضاعفاً والخسارة فادحة، لا تعوّض.

الواقع أن حصر زها حديد في مجال الهندسة، على رحابته، يعدّ ضيقاً على امرأة بهذا المقام. إذ إن هندستها تجعلها تبدو فنانة تجريدية لا بل نحاتة من نوع آخر، تنحت في الهواء تصاميم لا تتمتع بالأبعاد الهندسية التقليدية لكنها تنجح في الحفاظ على التوازن رغم قوانين الجاذبية. تتحدى الخطوط المستوية. تتغلب على الزوايا. ولا تقبل بالتقاطعات إلا إن كانت تخدم “منحوتاتها”. فالمنحنيات هي أكثر ما يميز أسلوبها. ومن هنا لُقّبت بـ”ملكة المنحنيات”. لذلك يمكن القول إنها من بين الطليعيين في السفر الى هندسة المستقبل.

تنتمي حديد الى ما بات يعرف بالـ”مدرسة التفكيكية” التي أخذت تتبلور انطلاقا من عام 1971، وهي تعدّ من أهم الحركات المعمارية التي ظهرت في نهاية القرن الفائت، ولا تزال تتبلور الى الآن. يدعو هذا الاتجاه الهندسي إلى هدم كل أسس الهندسة الإقليديسة (نسبة إلى عالم الرياضيات اليوناني إقليدس)، من خلال تفكيك المنشآت إلى أجزاء. لذلك فإن ما يجمع مهندسي هذا التيار الهندسي هو التخلي عن كل النظريات التقليدية في فن العمارة. أما حديد فستكون من بين أبرز الاسماء التي سيذكرها التاريخ في هذا المجال.

بداياتها

ولدت زها في بغداد عام 1950، ابنة وزير المال السابق محمد حديد الذي قيل انه ترك العراق متوجهاً الى بريطانيا، بعد اتفاق عقده مع الرئيس الأسبق صدام حسين، لكي يبتعد نهائياً عن السياسة.

في البداية، درست زها الرياضيات في الجامعة الأميركية في بيروت، قبل ان تلتحق بالجمعية المعمارية في لندن، حيث نالت اجازتها في عام 1977، علماً انها صارت لاحقاً أستاذة محاضرة في الجمعية نفسها.

كما شغلت منصباً اكاديمياً رفيعاً في مدرسة التصميم التابعة لجامعة هارفارد، وفي كلية الهندسة في جامعة إلينوي، فضلاً عن تدريسها في جامعات كولومبيا وييل، والفنون التطبيقية في فيينا.

أسست شركتها في عام 1979، حينها انطلقت بلا كلل. إذ ذكرت في إحدى المقابلات أنها في بداية حياتها المهنية، كانت تدمن العمل وتصل ليلها بنهارها. وقبل موتها بفترة، ذكرت أيضاً أنّ المهندسين تنتابهم بعض موجات الغضب، لأنهم يعملون بشكل متواصل وبلا نوم لأكثر من 5 أيام أحياناً.

إن نقل أعمالها من الفرضيات والمخطوطات الى الواقع، لم يبدأ باكراً، إذ إنها واجهت الكثير من العراقيل والانتقادات. حتى أن أبرز من وضعوا العراقيل في طريقها هم أبناء المهنة نفسها! وتقول ان تنفيذ مشروع محطة “فيترا” للمطافئ في ألمانيا في عام 1993، شكّل نقطة التحول الكبرى في حياتها المهنية، لأنه حوّل خطوطها الى احجام.

تقرّ حديد مراراً ان حياتها المهنية لم تكن مفروشة بالورود، وقد ذاقت لحظات كثيرة من الاحباط، إنما تغلبت عليها بفضل شخصيتها الفذة وعزيمتها الصلبة. وعندما تخاطب جيل الشباب، تقول: “عليكم ان تثابروا وتحافظوا على تركيزكم. الامر لا يتعلق بالعمل والاجتهاد، بل بالهدف المرجوّ من خلالهما. عليكم ان تضعوا لأنفسكم اهدافاً. قد يتغير هذا الهدف خلال مسيرتكم، لكن عليكم دوماً ان تختاروا واحداً”.

أبرز تواقيعها

صودف ان أغلبية مشاريعها عامة، إذ صمّمت مركزاً للتزلج في انسبروك في النمسا، ودار الأوبرا في غوانغزو في الصين، وكارديف في ويلز. كما صممت مبنى غالاكسي سوهو في بكين، ومتحف ماكسي للفنون والعمارة في روما، ومعرض دار ازياء شانيل في هونغ كونغ، ومكتبة، ومركز تعليم في جامعة فيينا للاقتصاد والاعمال. من ابرز أعمالها ايضاً، مركز الألعاب المائية في لندن، حيث استضيفت الألعاب الأولمبية في عام 2012، محطة “فيترا” للمطافئ في ألمانيا (التي سبق ان ذكرناها) والمركز الرئيس لشركة صناعة السيارات (BMW) في مدينة لايبزغ الألمانية، ومتحف ريفرسايد في مدينة غلاسكو، وملعب الوكرة الذي سيستضيف منافسات كأس العالم لكرة القدم عام 2022 في قطر. اللائحة طويلة وتشتمل كذلك على متحف الفن الحديث في مدينة سينسياتي في الولايات المتحدة، ومحطة الأنفاق في ستراسبورغ، والمركز الثقافي في أذربيجان، والمركز العلمي في ولسبورغ، ومحطة البواخر في سالرينو، والمجمع الفني في أبوظبي.

اللافت في أعمالها انها ليست مستنسخة، فما من بناء يشكل اجتراراً او تكراراً لأي من اعمالها السابقة، كل مبنى يشكل قيمة فنية بحد ذاته. البعد المشترك الوحيد الذي يجمع هذه الباقة من الابنية المشيدة، يكمن في بصمتها… في توقيعها المتفرّد الذي يجعل المنشآت أشبه بسفن تبحر في فلك مفتوح.

“السيدة زها”

رغم انها دخلت الى مجال كان يعدّ الى الامس حكراً على الرجال، تمكنت زها من فرض اسمها بجدارة ونقلت التنافس المهني الى مستوى آخر. فتمكنت من انتزاع اعتراف عالمي بموهبتها. إذ نالت مجموعة من الجوائز المرموقة. عن خوضها مجال الهندسة المعمارية، تقول: “لم أكن أحب أن أوصف بالمرأة المهندسة، أنا مهندسة، ولست امرأة مهندسة”.

في عام 2004، كانت أول امرأة تقطف جائزة “بريتزكر” التي تعدّ “نوبل” الهندسة المعمارية، بعد جان نوفيل وفرانك غيري وأوسكار نييماير. كما نالت جائزة ستيرلينغ (Sterling Prize) للهندسة المعمارية في عامي 2010 و2011. وفي عام 2010، صُنفت “رابعة أقوى امرأة في العالم” بحسب مجلة “التايمز”. كما حظيت بجائزة ماكسي في روما في عام 2011، لتصميمها مدرسة إيفلين غريس في بريكستون، في بريطانيا. وكرمت بمنحها وسام الإمبراطورية البريطانية في عام 2012، ولقب “السيدة زها”.

جدول أعمال حافل

رحلت وجدول اعمالها كان يحفل بالمشاريع المزمع البدء بتنفيذها، منها البنك المركزي العراقي وأخرى قيد التنفيذ ومنها، “محطة مترو الملك عبدالله” في المملكة العربية السعودية الذي يعكس، بخطوطه المنسابة، دقة القطارات وسرعة المواصلات، من دون أن يهمل الجانب الشرقي- الاسلامي للعمارة. كل ذلك وفق توليفة هندسية مدهشة بمحاكاتها المستقبل.

لائحة المشاريع التي تبقى قيد التنفيذ طويلة ومنها مشروع Opus في دبي، الذي يحتوي على مكاتب ومطاعم واسواق تجارية. من المشاريع التي يتم العمل عليها ايضاً، إكسبو سيتي القاهرة الذي يمتد على مساحة 450 ألف متر مربع، ليضمّ مركزاً دولياً للمعارض ومجمعاً للمؤتمرات وسوقاً تجارياً وفندقاً لرجال الأعمال.

في مقابلة أجريت معها في عام 2007 على هامش مشاركتها في معرض المفروشات في مدينة كولون الالمانية، عبرت زها حديد عن قلقها من تمدد ثقافة الانغلاق ورفض الآخر. وقالت: “صحيح ان هذه الافكار لا تؤثر بشكل مباشر في الهندسة، إنما تؤثر في المجتمعات. وهذا ما يقلقني. العالم يزداد اصطفافاً يوماً بعد يوم. الهوّة تزداد اتساعاً بين الناس. أعتقد ان على كل منّا أن يكافح من اجل مجتمعات ليبرالية اكثر انفتاحاً”.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.